تأنيب الضمير وجلد النفس

دائما ما نوصي انفسنا ونوصي غيرنا بمحاسبة النفس، وذلك لنراجع اخطائنا وتنفاداها في المستقبل، ولكن البعض تزداد عنده حدة هذه المحاسبة حتى يقع فيما يسمى بجلد الذات. فيعيش طوال حياته وهو يرى بأنه فاشل ومخطئ ولا يصلح لشيء وبأنه المسؤول عن كل الاخطاء والاخفاقات التى حدثت وتحدث له في حياته، ويبدأ يلم نفسه على العلاقات الفاشلة وعلى القرارات الخاطئة التي فعلها، فيقصو على نفسه بل وقد يكره نفسه في نهاية الامر.

هناك فرق بين تأنيب الضمير وبين جلد الذات والذي يعتبر صورة قاسية وعنيفة من محاسبة النفس، والبعض يعتقد بأن تأنيب الضمير الزائد مؤشر جيد للشخص ودليل على إيمان هذا الشخص ووضوحه مع نفسه، وهذا اعتقاد خاطئ، لأن هذه الطريقة من التأنيب الحاد تؤدي الى زيادة الضغط على الجهاز العصبي، فيشعر خلالها الشخص بالقلق الزائد وعدم الراحة والتذكير في نفس الحدث أكثر من مرة، مما يؤدي بالتالي الى تدهور الحالة النفسية فتتأثر حينها دراسته او عمله كما تتأثر كل مسارات حياته وعلاقاته ويدمن على تعنيف ذاته وتهتز ثقته بنفسه فيهمل احلامه وطموحاته حتى يصل به الامر الى ان يبتعد عنه اصحابه بسبب نظرته التشاؤمية او بسبب احتقاره لتصرفاته. هذا الشخص في الغالب لا يشعر بالسعادة لأنه يفكر دائما في الماضي ولا يستمتع باللحظة التي يعيشها.

 يوضح لنا الخبراء في علم النفس بأن تأنيب الضمير هو عبارة عن شعور داخلي يأتي عندما نقوم بشيء خاطئ بحق انفسنا او بحق الاخرين، او يأتينا حين نفقد القدرة على فعل شيء محدد، ونبدأ في ترديد كلمة " لو"، وهذا ما يسمى من الناحية العلمية بجلد الذات مثلا: لو كنت درست هذا التخصص لكان عملي افضل .. لو وافقت على المشروع لكنت الان غنيا، وغيرها الكثير من الافكار السلبية التي لا أهمية لها ولا فائدة منها سوى الزيادة في الشعور بالذنب تجاه النفس وتجاه الاخرين. كما تكمن المشكلة ايضا في كون هذا الانسان يلجأ دائما الى الهروب والانسحاب من المشكلة مع توجيه اللوم للذات بدل البحث عن الاسباب ومحاولة إيجاد الحلول.

نعلم ان كل البشر معرضون للخطأ، وهذا امر فطري، ولكن التصرف العقلاني أنه مادام أننا انتبهنا الى خطأنا ان نعقد العزم على ألا نكرره وألا نبقى حبيسي جلد الذات وتوبيخ النفس. المطلوب منا ان نستخلص الحكمة من الخطأ الذي وقعنا فيه، سواء كان الخطأ في حق انفسنا او في حق الاخرين.

فوقوعنا في الخطأ امر ضروري حتى نتعلم ونتطور، علينا ان نتخلى عن فكرة أننا يجب ان نكون مثاليين 100% في كل تصرفاتنا وفي كل مشاعرنا وفي كل ردود أفعالنا وفي كل علاقاتنا وقراراتنا، من الصعب جدا ألا نخطئ في حياتنا، وان تكون علاقاتنا كلها ناجحة وقراراتنا كلها صحيحة، وتكون اوقاتنا كلها مستثمَرَة، لأننا بهذا نلغي طبيعتنا البشرية ونقيد انفسنا بخيط غليظ وقاس من القوانين والالتزامات والصرامة، ونقيدها ايضا بالتأنيب الدائم على أقل تقصير منا. نحن إذا رأينا غيرنا يخطأ، خاصة اذا كان صديقا لنا، او ابنا لنا، فإننا نرأف به ونتعاطف معه ونحاول الا نسمعه كلاما جارحا او حتى ان نطلق عليه صفات أنه غبي او فاشل، فألاولى بنا ان تكون انفسنا اقرب الينا من كل شخص او نتعامل معها بلطف اذا اخطأت، ليس معنى هذا ان نبرر لانفسنا الخطأ كي نتمادى فيه، ولكن ان نعترف بخطأنا ونتحمل مسؤولية هذا الخطأ ثم ننتقل الى الخطوة القادمة. وهناك نقطة هامة وهي الا نسمح لأحد بأن يلقي علينا بمسؤولية اخطائه وتقصيره، لأن هناك حقيقة من يتقن هذا الامر فيوحي دائما للاخرين بأنهم مخطئون وأنه هو الوحيد المثالي وهو الانسان الذي لا يخطئ ابدا. ولنكن على ثقة مادام أننا أدينا ما علينا من واجبات والتزمنا بأعمالنا وبمسؤولياتنا، فيجب ان نتيقن باننا على الخطوات الصحيحة.

احيانا من شدة الرغبة بأن نكون مثاليين، نقوم بلوم انفسنا على أقل تقصير اعتقادا منا بأن الاخرين يتتبعون خطواتنا ويراقبوننا ويجب دائما ان نظهر أمامهم بصورة سليمة ومثالية 100% . يوصي صاحب كتاب " مبادئ النجاح" بقاعدة مهمة وهي قاعدة 18 ـ 40 ـ 60 ، ومضمونها  أنك عندما تبلغ 18 سنة تشعر بالقلق الدائم تجاه ما يعتقده الاخرون فيك، وفي سن الاربعين لا تبالي ابدا بما قيل فيك، وعندما تصل لعمر الستين تكتشف ان لا أحد في الأساس قد فكر فيك؛ فالانسان في النهاية خطّاء ولكن الله تعالى أوجد لنا الحل مباشرة حتى يكون تصرفنا ايجابيا، فقال تعالى: " والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم "، اذا هذا هو التصرف السليم والعملي عند الخطأ، ثم لنقف عند هذا الحديث القدسي الذي يقول في الله عز وجل: " يا ابن ادم، انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن ادم إنك لو اتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ". في هذا الحديث بشرى ورجاء لكل انسان قد اخطأ، هذا الحديث يخبرنا ويؤكد لنا بأن رحمة الله واسعة وفضله عظيم، فالله لا يريد منا ان نرمي انفسنا في حفرة التأنيب ولو من النفس، فهو يريد منا التوبة عند الخطأ ويريد منا الاستغفار عند الذنب. هنا الحديث فرض لكل من يعرف نفسه غارقا في الاخطاء او ضيع حياته دون فائدة. يقول تعالى: " ومن يعمل سوءً او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما".
من تأنيب الضمير الى جلد الذات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المقالات الاكثر مشاهدة

جميع الحقوق محفوظة © تطوير الذات

close

أكتب كلمة البحث...