كيف يمكن ان ننظم حياتنا بالطريقة التي تضمن لنا الوصول الى الراحة النفسية؟


يشتكي البعض بانه لا يستطيع النوم بشكل جيد، وانه في توتر دائم ولا يستطيع السيطرة على اعصابه، واصبحت مثل هذه الحالات متكررة حتى عند المراهقين وكأن هذا التوتر صار من روتين حياتنا اليومية. وبالرغم من التسهيلات الالكترونية من حولنا، الا ان البعض لازال الى الان لا يستطيع ان يدبر حياته بالشكل الذي يرضيه، ولا يستطيع ايضا التوازن بين مسؤولياته العائلية ومسؤولياته المهنية، فقد اصبح متشتتا فاقدا القدرة على التركيز وافكاره مبعثرة في كل اتجاه. فإذا وصل الانسان الى هذه المرحلة عليه ان يتوقف ويراجع حياته وينظر الى اي اتجاه تسير سفينته.
يروى ان حارس منارة عجوز كانت لديه كمية محدودة من الزيت ليحافظ على منارته مضاءة حتى تتجنب السفن المارة بالبحر الاصطدام بالشاطىء الصخري. ذات ليلة جاءه رجل يعيش بالقرب من المنارة واراد ان يستعير منه بعضا من الزيت ليضيء مصباح منزله، فاعطاه الحارس كمية بسيطة. وفي ليلة اخرى توسل مسافر من اجل بعض الزيت ليضيء مصباحه ليعينه في سفره، فايضا استجاب حارس المنارة واعطاه الكمية التي يريدها، وفي الليلة التانية قرعت بابه أم تريد بعض الزيت لتضيء وتطعم اولادها فلبى طلبها وسرعان ما نفذ زيته وانطفأت منارته واصطدمت السفن بالصخور وهلكت الارواح. 
لماذا؟ لأن ذلك الحارس نسي ان يركز على اولوياته. اذا حتى نحافظ على تركيزنا ونحمي افكارنا من التشتت علينا ان نتخلص من عوامل الشد والجدب في حياتنا اليومية، ونركز على ما نريده بالضبط. اكثر الناس فعالية هم الذين يركزون في اعمالهم ويقولون لا للاشياء غير المهمة والتي يمكن ان تلهيهم عن هدفهم. السؤال الان: كيف يمكن ان ننظم حياتنا بالطريقة التي تضمن لنا الوصول الى الراحة النفسية التي نريدها؟

أولا على المرأ ان يحدد ما الامور المهمة بالنسبة له في حياته، فتحديد هذه الامور المهمة يجعله قادرا على معرفة الى اي تسير حياته، وماهي قراراته الصائبة ثم تجعله بعد ذلك يقلل من الاعمال الثانوية التي لن تعود عليه بالنتائج التي يتمناها وستضيع له بالتالي وقته.

ثانيا، الانتباه الى بعض المشاكل البسيطة والصغيرة والتي تأخد اهتمام الانسان وتشغل باله، لكنه يسوفها ويؤجل حلها، اما بسبب الكسل او بعدم معرفة او لخوف من النتائج المترتبة بعد ذلك.
التعامل مع المشكلة امر جيد ومفيد، وكلما طالت مدة التسويف ازدادت فترة الشعور بالتوتر مما يسبب الضغوط الشديدة على الانسان، وكلما بادر الانسان بالانجاز شعر بالرضا والراحة و التحرر.

ثالثا، هناك عبارة تقول " مكتب غير منظم يعني عقل غير مرتب " ولهذا على الانسان ان يقاوم التعلق العاطفي ببعض الاشياء التي لا حاجة له بها، ويبدأ في التخلص منها وتنظيم الفوضى من حوله، اذ يعد تنظيم الفوضى والتخلص من الاشياء التي لم نعد محتاجين لها ولم تعد مهمة عادة صحية تكسر رتابة الحياة اليومية وتعطي شعور جميل بانتظار الجديد، وايضا التقليل من التعامل مع مواقع التواصل، فقد اثبتت دراسات عديدة ان الاجيال التي ادمنت التطور التكنولوجي مثل الهواتف المتحركة، والبريد الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي تصاب بنوع من التوتر والقلق بشكل مضاعف اكثر من الاجيال السابقة التي لم تكن تملك هذه التقنيات؛ صحيح انه لن نستطيع الاستغناء عن هذه الامور تماما، ولكن نحاول قدر الامكان تجاوزها ولو ساعة في اليوم، ثم نزيد في هذا الوقت وهذه المدة بالتدريج حتى نخفف من التوتر الذهني المصاحب لها. فنحن بشكل تلقائي نتوتر اذا رنّ الهاتف المتحرك عدة مرات متواصلة، وايضا نراجع حساباتنا في مواقع التواصل الاجتماعي عشرات المرات في اليوم لنرى من علق على كتاباتنا او علق على صورنا، وقد نحزن اذا لم يزدد عدد المعجبين او المتابعين لنا.

رابعا، من الامور الهامة ايضا، الابتعاد والعزلة لبعض الوقت عن الجو الحيط بنا، فنحن نحتاج وقتا لنبتعد عن كل المؤثرات من حولنا وننعزل مع انفسنا ولا نفعل شيئا غير الصمت.

تجربة العزلة لبعض الوقت، ولو لدقائق في اليوم، تجعل الانسان مركزا على اولوياته في الحياة، ويمكن ان يجرب الانسان هذا الامر ولو لمرة واحدة في الاسبوع او الشهر. يختار مكانا جميلا وهادئا بعيدا عن الناس ويجلس مع نفسه ويصمت، ويكون هدفه الاساسي فقط هو ان يريح دهنه من الافكار ومن ضوضاء الحياة يعود الى نفسه يحدد معها اولوياته ويرتب خطواته القادمة.

النقطة الاخيرة والمهمة هي التوازن. فالدنيا بها هموم كثيرة متشعبة، ويغفل معها الانسان عن الغاية الاساسية من وجوده في هذه الحياة، ولذلك على الشخص ان يعرف اين يضع هدفه الاساسي. يقول الله تعالى : " وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا"، ففي هذه الاية قدّم الله تعالى الاخرة وجعلها هي الغاية الكبرى ولها العمل اكثر، وجعل الدنيا ثانيا، فقال: " ولا تنسى نصيبك من الدنيا"، اي خد نصيبك المباح من الدنيا واعمل وتمتع واعط الحق لنفسك واهلك واصحابك، فالعمل في الدنيا مهم ولكن الاخرة أهم. قال صلى الله عليه وسلم: " من كانت الاخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، واتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله الفقر بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا الا ما قدر له". فهذه الدنيا حياتنا ونحن المسؤولون عن تنظيمها لنصل الى السعادة التي نتمناها.

كيف يمكن ان ننظم حياتنا بالطريقة التي تضمن لنا الوصول الى الراحة النفسية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المقالات الاكثر مشاهدة

جميع الحقوق محفوظة © تطوير الذات

close

أكتب كلمة البحث...