الخوف الوهمي

سقراط كان يسمى في وقته بالطبيب الأول، فاستنكر جار له وهو طبيب ايضا ان يطلق عليه هذا اللقب لأنه لا يستحقه، فذهبا الى الملك يتحاكمان، فسأل الملك هذا الجار عن الطريقة التي تثبت أنه افضل من سقراط، قفال سأسقيه السم وهو يسقين، فمن عالج نفسه فهو الاعلم، وحدد موعدا بعد اربعين يوما. انهمكك الجار الطبيب في احضار السم  في بيته بينما استدعى سقراط ثلاثة اشخاص كانت مهمتهم ان يسكبوا الماء في مِدَق وان يدقوا باستمرار حتى يسمع صديقه الجار هذا الصوت، وفي اليوم المحدد وأمام الملك قام سقراط وأخد السم فشربه فاصفر لونه واصابته حمة. ولكن ما لبث ساعة حتى شفي، بعدها أمر الملك ذلك الطبيب الجار حتى يشرب السم الذي أعده سقراط، وخلال لحظات وقع الطبيب على الارض صريعا. فقال سقراط للملك يا سيدي إن الذي اعطيته للطبيب ليس سما بل كان ماء اذبا، وسأشرب منه. هنا تعجب الملك من موت الطبيب بالماء فأجابه سقراط بأنه بسبب قوة الإيحاء لأنه ظل اربعين يوما يسمع أصوات الدقاقين ويعتقد أنهم يعدون له السم فكان للعامل النفسي أثر اكبر من أثر السم.

الجانب النفسي عند كل انسان له الدور الابرز و الاقوى في التأثير على إيحاأته الباطنية وعلى حياته النفسية بشكل عام، سواء كان هذا التأثير إيجابي او كان سلبي. وبعض الامراض نعاني منها وبعض المشكلات التي تحدث لنا، سببها فقط الخوف الوهمي منها. مثلا الشخص الذي يخاف دائما من العين والحسد فهو يشعر فعلا أنه محسود ومسحور، والذي يخاف من المس والجن، يعتقد ان فيه مس او أصابه جان.

أحد المديرين في مجال الاعمال خضع لتمرين في برامج التدريب على القيادة، اكتشف ان 54% من مخاوفه تتعلق بأشياء من المحتمل ألا تحدث أبدا، و26% منها تتعلق بأفعال كانت في الماضي ولا يمكن طبعا تغييرها، و8% تتعلق بأراء الناس الذين لا تهمه أرائهم و 4% تتعلق بأمور تخص صحته الشخصية والتي فعلا انتهى منها و6% فقط تتعلق بأمور واقعية جديرة بانتباهه، ومن خلال تحديد مخاوفه التي ليس بامكانه فعل شيء تجاهها، ثم التخلص منها وبالتالي تخلص من 92% من المشاكل التي كانت مصدرا لازعاجه.

كثير من الناس يقلقون ويخافون من احزان يتوقعونها في المستقبل، فيذهب بهم الخيال نحو الموت والدمار والفقر والفقدان والخسارة وتسيطر عليهم الاحتمالات. مثلا: ماذا لو طردت من وظيفتي .. ماذا لو يمرض احد ابنائي .. ماذا لو يصابوا بالمرض الخبيث؟ .. كل هذه الاسئلة تجعل الانسان فريسة لمخاوفه الوهمية فلا يستطيع معها ان يفكر في طريقة واقعية صحيحة. ترى ما هي أهم المخاوف التي تسيطر على الانسان؟

أول هذه المخاوف هو الخوف على الرزق. وهذا يكاد يكون شغل الناس جميعهم. السعي للرزق امر مطلوب ولكن ان يعيش الانسان في خوف وفي قلق من ان تقل أمواله او ان يخسر وظيفته او ان لا يكفيه دخله، فهذا الخوف الوهمي، قد يدفعه الى ان يعيش في عصبية دائمة، هذه العصبية قد تؤثر على علاقته مع اسرته ومع اصدقائه، بل وقد يخسر دينه ومبادئه، او قد يتجاوز ويخون الامانة لكي يزداد رصيده. ولو تمعن في قوله تعالى: " وفي السماء رزقكم وما توعدون " لاطمئن وعلم ان رزقه مكفول.

النوع الثاني من المخاوف التي تسيطر على الناس هو الخوف على العمر، فالبعض يخاف ان يركب طائرة خوفا من ان تسقط، ان قد ينعزل عن الناس خوفا من ان يصاب بسحر او بحسد، فيعيش في قلق من اي عرض صحي قد يأتيه، وهذا الخوف عالجه الله تعالى في قوله: " وما كان لنفس ان تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا ". فمعنى هذا ان الحياة بيد الرحمان وان توقيت كل انسان مكتوب بأجل محدود منذ ان ولد، فهذا بالتالي يجعله يسير مطمئنا طاردا للوساوس من عقله، فلا أحد قادر على ان يسلبه حياته.

نأتي الان الى الخوف الثالث من المخاوف وهو الخوف على الولد، والاولاد بالتأكيد زينة الحياة الدنيا، ومن الطبيعي ان يسعى كل من الأب والأم لتوفير الحياة الكريمة لهم، ولكن البعض يبالغ في الخوف عليهم والتخوف من المستقبل  الذي ينتظرهم، وقد يملأ البعض عقله بتساؤلات جميعها سلبية، مثلا: ماذا لو مت وتركتهم؟ ماذا لو لم يجدوا ما يكفيهم في المستقبل؟ وغيرها من الرساؤلات. اذا فليعش الانسان مطمئنا طاردا لتلك المخاوف، فكل شيء بيده سبحانه وتعالى، يقدر الاقدار والارزاق.
الخوف الوهمي منبع أغلب مشاكلنا النفسية التي نعاني منها. كيفية معالجته؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المقالات الاكثر مشاهدة

جميع الحقوق محفوظة © تطوير الذات

close

أكتب كلمة البحث...